مجموعه خالد السهلى

تاريخ النشر: 16/01/2025

للعقد ثلاثة أركان:
أولها: الصيغة (الإيجاب والقبول):
  • تعريف الإيجاب والقبول: يراد بالإيجاب والقبول الصيغة الصادرة من المتعاقدين والدالة على توجه إرادتهما الباطنة لإنشاء العقد وإبرامه، سواء كان ذلك بالقول، أو الكتابة المستبينة، أو الإشارة المفهمة، أو الفعل، كما في التعاطي، وهذه الصيغة هي التي تدل على التراضي من كلا الجانبين على إنشاء العقد.
وعند الحنفية الإيجاب هو ما صدر أولاً من أحد العاقدين، والقبول ما صدر عن العاقد الآخر دالاًّ على موافقته ورضاه بما أوجبه الأول.
وعند الجمهور الإيجاب هو ما صدر ممن يكون منه التمليك وإن جاء متأخرًا، والقبول هو ما صدر ممن يصير له الملك وإن صدر أولاً.
ففي عقد البيع مثلاً: إذا قال المشتري اشتريت منك هذه البضاعة بكذا، وقال البائع بعتها لك بهذا الثمن -انعقد البيع- وكان الإيجاب ما صدر عن البائع لأنه المملِّك، والقبول ما صدر من المشتري وإن صدر أولاً.
  • شروط الإيجاب والقبول: يشترط لارتباط الإيجاب بالقبول على نحو معتبر يترتب عليه انعقاد العقد جملة الشروط التالية:
1- وضوح دلالة الإيجاب والقبول:
وذلك بأن يكون كل منهما واضح الدلالة على مراد المتعاقدين، وإن كان في هذه الدلالة شك أو عدم وضوح لم ينعقد العقد.
2- موافقة القبول للإيجاب:
وذلك بأن يتحد موضوعهما، فإذا لم يوافق القبول الإيجاب كأن يرد الإيجاب على شيء والقبول على شيء آخر، كأن يقول الموجب: بعتك داري بعشرة آلاف فيقول الآخر: اشتريت سيارتك بألف، لم يتم العقد لعدم توافق الإيجاب والقبول.
3- اتصال القبول بالإيجاب:
وذلك بأن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد إن كان الطرفان حاضرين معًا أو في مجلس علم الطرف الغائب بالإيجاب.
  • مبطلات الإيجاب والقبول:
يبطل الإيجاب بالأمور التالية[1]:
1- رجوع الموجب عن إيجابه قبل القبول في المجلس على رأي الجمهور بخلاف المالكية الذين منعوه من حق الرجوع في التبرعات والمعاوضات الصادرة بصيغة الماضي.
2- رفض الإيجاب من الطرف الآخر كأن يقول: لا أقبل صراحة أو ضمنًا كأن يعرض عن الشراء.
3- انتهاء مجلس العقد بالتفرق عنه عرفًا من غير تصريح بالقبول؛ لأن الإيجاب يظل قائمًا ما دام المجلس منعقدًا، فلما انتهى المجلس بطل مفعوله.
4- خروج الموجب عن أهليته قبل القبول بالموت أو الجنون ونحوه؛ وذلك لأن انعقاد العقد يتوقف على توافر الأهلية فإذا فقدت لم ينعقد العقد.
5- هلاك محل العقد قبل القبول أو تغيره بما يصيره شيئًا آخر كانقلاب الخل خمرًا مثلاً.
الركن الثاني: العاقدان
تعريف العاقد: العاقد هو الذي يباشر العقد ويصدر عنه بالإيجاب أو القبول، وليس كل إنسان يصلح لإبرام العقود، فمن الناس من لا قيمة لعبارته فلا ينعقد بها عقد ولا يترتب عليها أثر، ومنهم من تعتبر عبارته في بعض العقود دون بعض، ومنهم من تصح عبارته في جميع العقود. واختلاف الناس في ذلك يرجع إلى مدى تمتعهم بالأهلية والولاية، فمن فقدهما لم يكن لعبارته أي اعتبار؛ لذا كان من الواجب الرجوع إلى أبحاث الأهلية والولاية والوكالة في كتب الفقهاء والأصوليين، وسوف نكتفي هنا بذكر أهم الشروط التي يجب توفرها في العاقدين حتى يصح العقد ويتم إبرامه[2].
  • شروط العاقدين[3]: يشترط في كل منهما الشروط التالية:
1- أن يكون العاقد بالغًا عاقلاً: يعني صلاحية العاقد في إنشاء العقود وترتب آثاره عليها.
2- تعدد طرفي العقد: يعني وجود إرادتين لإنشاء العقد.
3- أن يكون العاقد مختارًا مريدًا للتعاقد.
الركن الثالث: محل العقد (المعقود عليه)
  • تعريف محل العقد: هو ما يقع عليه التعاقد ويظهر فيه أثر العقد وأحكامه، وهو يختلف باختلاف العقود، وهو قد يكون عينًا مالية كما في بيع سيارة، أو يكون منفعة كما في تأجير دار للسكنى، وقد يكون عملاً كمن تعاقد مع طبيب.
  • شروط محل العقد[4]: ليس كل شيء صالحًا ليكون معقودًا عليه؛ لذا اشترط الفقهاء الشروط التالية في محل العقد والتي يجب توفرها فيه حتى يتم العقد وتترتب عليه آثاره:
1- أن يكون قابلاً لحكم العقد شرعًا:
وذلك بأن يكون مالاً مملوكًا متقومًا، وعدم قبول المحل لحكم العقد يرجع إلى نهي الشارع عنه كما في نهيه عن بيع الميتة والخمر والخنزير.
2- أن يكون المعقود عليه معلومًا لطرفي العقد:
علمًا ينفي عنه الجهالة المفضية إلى النزاع بين المتعاقدين لأجل استقرار التعامل بين الناس وإدخال الطمأنينة إلى قلب المتعاقدين، ويحصل العلم بالمعقود عليه بالأمور التالية: برؤية المعقود عليه، أو بالإشارة إليه إن كان موجودًا، أو بوصفه إن كان غائبًا[5].
3- أن يكون المعقود عليه مقدورًا على تسليمه:
وبناءً عليه لا يصح عقد البيع على حيوان شارد أو سمك في الماء ونحو ذلك في عقود المعاوضات، أما عقود التبرعات فالجمهور على اشتراط هذا الشرط في محالها وخالف المالكية وقالوا لا يشترط فيه القدرة على التسليم، فأجازوا هبة الجمل الشارد وإعارته.
4- أن يكون محل العقد موجودًا: وهذا الشرط في الحقيقة ليس على إطلاقه:
ولا هو عند جميع الفقهاء إذ إن فيه اختلافًا وتفصيلاً، وجملة القول فيه: أن المعدوم الذي يستحيل وجوده في المستقبل لا يصلح أن يكون محلاً للعقد ولا خلاف في هذا: فمن تعاقد مع طبيب على علاج مريض قد توفي، أو تعاقد مع عامل على حصاد زرع قد احترق لا يصح؛ لأن المحل المتعاقد عليه معدوم، وهناك عقود أخرى مستثناة من هذا الأصل العام كعقد السلم والاستصناع، سيأتي الحديث عنها مفصلاً إن شاء الله.
  • 8- عيوب العقد:
قد يلحق العقد بعض العيوب التي تؤثر عليه فتجعله معيبًا لا تترتب عليه الآثار المقررة له شرعًا.
وهذه العيوب التي قد تلحق الإرادة وتلابس إنشاء العقد ترجع في الغالب إلى الغلط والإكراه والغبن والتغرير، وسوف نشير إشارة موجزة لكل واحد منها[6]:
  • أولاً: الغلط: وهو حالة تقوم بالنفس تحمل على توهم غير الواقع، وهو نوعان: غلط باطني، وهو ما كان قائمًا في تصور العاقد ولا يوجد في صيغة العقد ما يدل على توهمه، كمن يشتري بقرة يعتقد أنها كثيرة الحليب دون أن يذكر في صيغة العقد ما يدل على اعتقاده.
وغلط ظاهري وهو توهم يقوم في النفس ويرد في صيغة العقد ما يدل على ذلك، كمن يقول: اشتريت منك هذا الماس بكذا فيقول الآخر: قبلت، ثم يظهر أنه زجاج.
ولا خلاف بين الفقهاء في أن الغلط الباطني لا يؤثر في انعقاد العقد وصحته؛ لأن العبرة بالعبارة أو ما يقوم مقامها دون النوايا المستترة الخفية التي لا يدل عليها دليل.
أما الغلط الظاهري فإن كان في الجنس أبطل العقد، وإن كان في الوصف جعل العقد موقوفًا قابلاً للفسخ ممن قام فيه الغلط.
  • ثانيًا: الإكراه: هو حمل الغير بغير حق على أمر يمتنع عنه بنحو تخويف يقدر المكرِه على إيقاعه ويصير الغير خائفًا به.
وهو نوعان: ملجئ أو تام: والذي يكون التهديد فيه بإتلاف النفس أو عضو منها، وغير ملجئ أو ناقص: والذي يكون بالضرب والحبس.
  • أثر الإكراه في العقود:
عند الحنفية التصرفات القولية تقع صحيحة نافذة لا أثر للإكراه فيها، وقال الجمهور بعدم ترتب حكم على قول المكرَه وتصرفاته فهي كلها مهدرة فلا يقع طلاقه ولا بيعه ولا شراؤه، واستدلوا بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه))[7].
والراجح هو ما ذهب إليه الجمهور[8].
  • ثالثًا: الغبن: وهو في اللغة النقص، أما في اصطلاح الفقهاء فهو أن يكون أحد البدلين في عقد المعاوضة لا يساوي الآخر في القيمة.
وهو نوعان: غبن يسير متسامح فيه؛ لأنه يقع كثيرًا في المعاملات، وهو ما يدخل في تقويم المقومين.
وغبن فاحش، وهو ما لا يدخل تحت تقويم المقومين كما لو اشترى كتابًا ثمنه عشرة دنانير بمائة.
 أثر الغبن في العقود: إذا كان الغبن يسيرًا فلا أثر له في العقد، أما الغبن الفاحش فقد اختلف الفقهاء في تأثيره في العقد، فمن الفقهاء من يرى أن لا أثر لهذا الغبن في لزوم العقد مطلقًا، ومنهم من يرى أن الغبن يؤثر في لزوم العقد، فيكون لمن وقع الغبن في جانبه أن يفسخ العقد سواء كان نتيجة تعدٍّ أم لا، ومنهم من قال بالتفصيل: من أنه إذا خلا العقد من أساليب الخداع والتغرير والاحتيال يكون الغبن الحاصل فيه نتيجة تقصير المغبون وعدم ترويه فتقع التبعة عليه، أما إذا كان الغبن ناتجًا عن تضليل وخداع يكون المغبون معذورًا.
وهذا الرأي هو الراجح لما فيه من رعاية لجانب المتعاقدين وحفظ حق كل منهما، كما أن فيه احترامًا للإرادة الحقيقة ومحافظة على استقرار التعامل بقدر الإمكان.
  • رابعًا: التغرير: هو في اللغة الخداع، وعند الفقهاء هو استعمال الطرق الاحتيالية لحمل الإنسان على التعاقد ظنًّا منه أن العقد في مصلحته مع أن الواقع خلاف ذلك.
وهو نوعان: قولي: وهو الذي يكون نتيجة كذب أحد المتعاقدين.
وفعلي: وهو أن يحدث العاقد فعلاً في المعقود عليه ليظهره بصورة غير ما هو عليه في الواقع: مثل جمع لبن البقرة فيها مدة حتى ينتفخ ضرعها فيظنها المشتري غزيرة اللبن...
أثر التغرير في العقود: أما القولي: فمنهي عنه شرعًا؛ لأنه غش وخداع، أما بالنسبة للعقود فهو لا يؤثر في صحة العقد إلا إذا ترتب على التغرير غبن لأحد المتعاقدين، فإنه يثبت للمغبون خيار الفسخ بسبب الغبن الذي وقع فيه.
أما التغرير الفعلي: فإنه يؤثر في حكم العقد فيجعله غير لازم، وللمغرور الحق في أن يفسخ العقد، ويسمى هذا بخيار التغرير أو خيار فوات الوصف المرغوب فيه.
الخلاصة / العقد الصحيح المصاغ وفقا للقواعد الشرعية والنظامية هو العقد الذي لا يجبر عاقداه على اللجوء للمحكمة .
المراجع :
1- ضوابط العقد في الفقه الإسلامي، د. عدنان التركماني.
2- تاريخ الفقه الإسلامي ونظرية الملكية والعقود، بدران أبو العينين بدران.
3- المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، د. عبد الكريم زيدان (285-398).
4- الفقه الإسلامي وأدلته، الزحيلي (4/80-248).
5- أصول المعاملات، د.مصطفى الجمال،ود.جلال علي العدوي (19-406).
6- نظرية العقد، شيخ الإسلام ابن تيمية.
7- الملكية ونظرية العقد، محمد أبو زهرة.
انتهى..
علي مرزوق